بنية المدينة الذكية: أفضل المدن الذكية في المسرح العالمي
يتطلب بناء المدينة الذكية تخطيطاً ذكياً وتضافراً سلساً بين خبراء التقنيات الجديدة والحالمين والأكاديميين وقبل كل شيء القادة من مهندسي البناء أصحاب الرؤى المستقبلية. كما أنَّ الأمر يتطلب أكثر من ذلك ولكن وقبل استخدام التكنولوجيا الحديثة من حساسات وشبكات يجب أن يتمركز التصميم حول أبرز الموارد وأكثرها أهمية.
هذا ما توصلت إليه دراسة حديثة من Juniper Research and Intel حيث قامت بدراسة وتحليل ما يجعل المدن الذكية رائعة، إلا أنها تجاهلت الجزء الأكثر أهمية في المدينة نفسها: ألا و هو مواطنوها.
في هذه المقالة سنعرض أفضل المدن الذكية التي توظف التكنولوجيا الخاصة بها لتحسين نوعية الحياة. إذاً، ما هي الخصائص التي تجعلها تحتل الصدارة؟ يسلط تقرير Juniper Research / Intel الضوء على أربع قطاعات حاسمة و هي النقل والصحة والسلامة والإنتاجية.
تتأخر معظم المدن عن ركب المدن الذكية في هذه القطاعات، وكما هو مبين في استطلاع أجرته مجلة Forbes Insights / Intel عام 2018. عندما طُلب من السكان تقييم “ذكاء” مُدنهم عبر هذه القطاعات الأربعة، أظهرت الإجابات مجالًا للتحسن والتطوير. وكان المقياس من 1 إلى 5 حيث يُشير الرقم 1 أن المدينة “ليست ذكية على الإطلاق” – فجاءت معظم التقييمات بين 1 و 2 وفق النسب التالية: النقل (19٪)، الصحة مقاسة بجودة الهواء (21٪)، السلامة (24٪) والإنتاجية (21 ٪).
وعلى الرغم من هذه الأرقام، يُشير المسح إلى أنَّ عام 2018 شكل مفترق طرق في تطور المدن الذكية، حيث صَنفت أغلبية ساحقة بلغت 64٪، مُدنهم في القطاعات جميعها بالمرتبة “3” على مقياس الخمس نقاط السابق. وهذا يدل إلى أنهم يعتقدون إلى حد ما أن حلول إنترنت الأشياء الحالية في مدينتهم تعمل بشكل جيد وتُحسن نوعية حياتهم.
فيما نظرة على ما يُميز أربع مدن تحتل التصنيف الأعلى. يمكن اعتبارها كنماذج يُحتذى بها، ليس فقط على المستوى العالمي، ولكن على المستوى الإنساني بحد ذاته حيث تتأثر حياة الأفراد فيها للأفضل باستمرار:
سنغافورة (عدد سكانها 5.8 مليون نسمة)
نموذج لا مثيل له في تكنولوجيا المدن الذكية، تحرز سنغافورة المركز الأول وفق قطاعات التقرير الأربعة: النقل والصحة والسلامة والإنتاجية. تعتمد المدينة الآن على تكنولوجيا إنترنت الأشياء كحل للمشاكل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع وكمحسن للحياة في بنيتها التحتية – وبتوجيه من الحكومة الذكية ومكتب الحكومة الرقمية (SNDGO)، عالجت سنغافورة تحديات المرور الكبيرة لديها من خلال حلول النقل المتصلة. وأدى نظام النقل الذكي (ITS) إلى ظهور نظام رائد للتسعير الإلكتروني للطرق، حيث يرتفع عدد الطرق المفتوحة مع زيادة حركة المرور، كما تسمح أنظمة النقل الذكية (ITS) بتقديم معلومات عن حركة المرور في الزمن الحقيقي من خلال سيارات الأجرة المزودة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، كما أنها تجعل حافلات النقل العام أكثر دقة. وفي الوقت نفسه، يمكن للمواطنين التحقق من التقدم في سنغافورة والتقنيات المتاحة في بعض المناطق والتفاعل مع الوكالات الحكومية الذكية من خلال Smart Nation Singapore
شيكاغو (2.7 مليون)
أثبتت هذه المدينة نفسها على أنها رائدة في المدن الذكية، فقد نالت المركز الثالث عالمياً في فئة الإنتاجية وفق التقرير. ويمكنها أن توفر على سكانها الكثير سنوياً من خلال فعالية القنوات الرقمية وشبكات إنترنت الأشياء. حيث يوفر مشروع شيكاغو الابتكاري، Array of Things، الكثير من الوقت من خلال توقيت إشارات المرور خلال ساعات الذروة المرورية للحد من الازدحام. وبتعاون بين العلماء والجامعات والحكومات والمجتمعات المحلية، يجمع Array of Things بيانات الزمن الحقيقي عن بيئة المدينة والبنية التحتية ونشاطها بغرض البحث والاستعمال العام. نجح المشروع بشكل كبير وبعد شهر تم تطبيقه في Wrigley Field.
سان فرانسيسكو (871000 نسمة)
كنت تتوقع أن يعرض وادي السيليكون أحدث التقنيات المتقدمة، إلا أنَّ سان فرانسيسكو تصنف من ضمن أفضل 10 مدن ذكية على مستوى العالم في كل القطاعات الأربعة. ومع ذلك، فإن نسخة مسودة من المدينة وخطط المدينة الاستراتيجية للمدن الذكية تظهر تركيزاً حاسماً على تحسين نوعية الحياة بدلاً من التركيز على التكنولوجيا. فالقيم الأساسية للمدينة تتلخص بالعبارة التالية “إن خدمتنا ترتكز على الاحترام والكرامة وتبني التنوع والرعاية والتعاطف والإندماج“. وعلى صعيد الرعاية الصحية، ساعدت تكنولوجيا المدن الذكية سان فرانسيسكو على إنشاء مؤشر للحرارة قادر على إنقاذ الأرواح. وهو مشروع تابع لقسم الصحة العامة في سان فرانسيسكو (SFDPH)، يجمع كميات هائلة من البيانات من صور الأقمار الصناعية وقراءات درجات الحرارة ومجموعات البيانات القائمة على الثقافة والسلوك والخصائص الديموغرافية الأخرى. لدى SFDPH أيضاً تطبيق Health Neighborhood باستخدام 23 مجموعة بيانات مفتوحة، تم جمعها من الوكالات الفيدرالية والولايات والمحلية، بالإضافة إلى خلاصات البيانات الخاصة، لعرض صحة أحياء المدينة. ومن خلال التطبيق، يمكن للسكان رؤية كيف تصنف أحيائهم في أمور مثل السلامة العامة، جودة المدارس، معدلات الجريمة، جودة الهواء، المشي، والوصول إلى وسائل النقل العام.
لندن (8.8 مليون)
في المرتبة الثانية بعد سنغافورة، تتفوق لندن في كل قطاعات المدن الذكية. وفي مجال الرعاية الصحية على سبيل المثال طبقت لندن استراتيجية واسعة النطاق تدير سلسلة كاملة من الإجراءات و التطبيقات تبدأ من تشارك الدراجات إلى التكنولوجيا الصحية عن بُعد التي تقدم مباشرةً إلى المستهلك. وأطلقت منصة الرعاية الصحية عن بعد والتي تعمل بنظام GPS، في العام الماضي، وحظيت بشعبية كبيرة لدرجة أنها جذبت أكثر من 26000 عضو من ربيع 2018، مع إضافة 4000 عضو جديد شهرياً. وتقوم مدينة لندن إلى جانب مدينة نيويورك بإطلاق مجموعة كبيرة من أكشاك الرصيف المتصلة، والتي ستحل محل أكشاك الهواتف الحالية. وستوفر هذه المحاور الذكية للمقيمين خدمة Wi_Fi المجانية وشحن الأجهزة النقالة والأجهزة اللوحية لعرض الخرائط ومعلومات عن المدينة.
هل تنتمي مدينتك إلى هذه القائمة؟ حتى لو لم تتخذ مدينتك الخطوة الأولى في اتجاه التكنولوجيا الذكية، يمكنها بالتأكيد محاكاة هذه المدن الرائدة. لأن حتى أصحاب الرؤية الذكية في المدينة والأكثر إبداعاً سيقولون لك، إن السباق ليس منافسة: إنه يتعلق بالتعاون.
ومن خلال تحول معظم المدن إلى المدن الذكية يمكننا تحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم بشكل كبير بتنفيذ مدروس ومتقن للمدن الذكية مع التركيز على ما يهم أكثر – ألا وهم “الناس”.